منذ
بداية المسيحية يؤمن جميع المسيحيين بأن السيد المسيح هو الله الظاهر
في الجسد، وكان هذا الإيمان هو موضوع كرازة آبائنا الرسل الأطهار ..
وانتشرت المسيحية في كل أنحاء العالم تحمل هذا الفكر المقدس.
وفي
سبيل هذا الإيمان الطاهر وجد آباؤنا صعوبات كثيرة واضطهادات واستشهاد،
ولم يتنازلوا عن إيمانهم ليصل إلينا بلا عيب، عاملين بالوصية المقدسة
.. "تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني" (2تي1: 13).
لو لم
يكن آباؤنا الرسل والآباء الأولون يبشرون بهذا الفكر
.. لَمَا قابلوا
هذا الظلم والتعنت والاضطهاد الشديد الذي وصل إلى حد الموت.
ولو
كان المسيح في نظرهم وفي كرازتهم مجرد نبي أو إنسان فاضل أو مصلح
اجتماعي .. فما الذي كان يثير اليهود أو الوثنيين ضدهم؟!! خاصة – وأن
تعاليم السيد المسيح تدعو إلى السمو الأخلاقي في المحبة والتسامح
والطهارة واحترام الإنسان ..
فما
الذي يُضير الآخرين من هذه التعاليم؟
وما
الذي يهيّج العالم ضد الكنيسة؟
إن القضية الوحيدة التي أتعبت اليهود من الفكر المسيحي هي المناداة بأن "المسيح هو الله" ..
w لقد أرادوا أن يقتلوا المسيح نفسه .. "لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضًا إن الله أبوه، مُعادلاً نفسه بالله" (يو5: 18).
إن القضية الوحيدة التي أتعبت اليهود من الفكر المسيحي هي المناداة بأن "المسيح هو الله" ..
w لقد أرادوا أن يقتلوا المسيح نفسه .. "لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضًا إن الله أبوه، مُعادلاً نفسه بالله" (يو5: 18).
w
ومرة أخرى أرادوا أن يرجموه قائلين: "لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل
تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا" (يو10: 33).
w
بل كان السبب الرئيسي القانوني للحكم على السيد المسيح بالصلب هو أنه "جدّف"،
لأنه أقرّ بأنه ابن الله، عندما سأله رئيس الكهنة .. "أستحلفك بالله
الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟" (مت26: 63).
أما
الوثنيون فقد اضطهدوا المسيحيين لأنهم كانوا ينادون بأن يسوع الناصري
هو الله الظاهر بالجسد، فكانوا بذلك ينادون بإله آخر غير قيصر، وكان
هذا سببًا كافيًا لإثارة الحكام ضدهم.
هرطقات
تطعن في لاهوت السيد المسيح
على
الوجه الآخر .. ظهرت هرطقات تنكر لاهوت السيد المسيح منذ بداية
المسيحية أيضًا، وقد نبّه إلى ذلك مُعلِّمنا يوحنا في رسائله:
w
"أيها الأحباء، لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح: هل هي من الله؟
لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله: كل
روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله، وكل روح لا
يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد، فليس من الله. وهذا هو روح ضد
المسيح الذي سمعتم أنه يأتي، والآن في العالم" (1يو4: 1-3).
w
وكذلك في قوله: "مَنْ هو الكذاب، إلا الذي ينكر أن يسوع هو المسيح؟ هذا
هو ضد المسيح، الذي ينكر الآب والابن. كل مَنْ ينكر الابن ليس له الآب
أيضًا، ومَنْ يعترف بالابن فله الآب أيضًا" (1يو2: 22-23).
w
"لأنه قد دخل إلى العالم مُضلون كثيرون، لا يعترفون بيسوع المسيح آتيًا
في الجسد. هذا هو المُضِل، والضد للمسيح" (2يو7).
وبلغت
هذه الهرطقات ذروتها في فكر أريوس، الذي أنكر بصراحة لاهوت الابن
المسيح، وأعلن أن المسيح مخلوق، وأنه غير مساو للآب في الجوهر.
وقد
حسم مجمع نيقية هذه القضية، وأعلن للعالم كله بكل وضوح وبعبارات محددة
أن: "المسيح هو ابن الله إلهنا، وهو مساو للآب في الجوهر".
ومع
ذلك وحتى الآن مازال كثيرون من أعداء الإيمان ينادون بأن السيد المسيح
هو إنسان عادي وليس الله.
الليتورجيا تعلن لاهوت السيد المسيح
(أ) ما هي الليتورجيا؟
المقصود بالليتورجيا (لفظًا) .. العمل الجماعي الذي يشترك فيه معًا كل الشعب، (ليتو = شعب، إرج = عمل)، ومعناها (اصطلاحًا) .. العبادة العامة الجماهيرية المنظمة، والتي يشترك فيها السمائيون مع الأرضيين بحضور الله نفسه .. "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت18: 20).
المقصود بالليتورجيا (لفظًا) .. العمل الجماعي الذي يشترك فيه معًا كل الشعب، (ليتو = شعب، إرج = عمل)، ومعناها (اصطلاحًا) .. العبادة العامة الجماهيرية المنظمة، والتي يشترك فيها السمائيون مع الأرضيين بحضور الله نفسه .. "حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت18: 20).
فالليتورجيا هي صلوات الأسرار المقدسة .. التناول، والمعمودية، ومسحة
المرضى، والإكليل، وطقس سيامات الكهنوت، وكذلك صلوات أخرى ليست سرائرية
كاللقان، والسجدة، والبصخة، والعشية وباكر، والتسبحة .. إلخ. فكل
الصلوات المرتبة في الكنيسة هي ليتورجيات.
?
ترتيب الليتورجيا:
لقد
وضع السيد المسيح أساسات الليتورجيا عندما:
w
أمر بصنع القداس: "اصنعوا هذا لذكري" (لو22: 19)، (1كو11: 24-25).
w
وعندما أمر بالمعمودية: "عمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس"
(مت28: 19).
w
وعندما أمر أن نصلي معًا: "فصلُّوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات،
ليتقدَّس اسمك" (مت6: 9).
w
وعندما أظهر لنا أن الزواج هو رابطة إلهية: "فالذي جمعه الله لا يُفرقه
إنسان" (مت19: 6).
ثم
ترك للكنيسة حرية صياغة كلمات الصلوات وترتيبها ..
w
"وأما الأمور الباقية فعندما أجيءُ أُرتبها" (1كو11: 34).
w
"تعليم المعموديات، ووضع الأيادي، قيامة الأموات، والدينونة الأبدية،
وهذا سنفعلُه إن أذنَ الله" (عب6: 2-3).
لذلك
.. فقد كتب الآباء الرسل ومن بعدهم آباء الكنيسة .. صيغ الصلوات
المقدسة المستخدمة في الكنيسة وفي الأسرار، وصار لدينا عدد ضخم من هذه
النصوص المقدسة المليئة بالروحانية العميقة، والتي أيضًا تحمل فكرًا
عقيديًا أصيلاً.
?
كتب الليتورجيا:
وكتب
الليتورجيا في الكنيسة هي: الخولاجي، والإبصلمودية، والأجبية، وكتاب
البصخة، واللقان والسجدة، وكتاب الصلوات (القنديل، والتجنيز،
والمعمودية، والإكليل)، والقطمارس.
لقد
صاغ الآباء القديسون هذه الكتب، فصارت ذخيرة مقدسة في كنيستنا، تحمل
فكر الآباء وروحانيتهم، وطريقة ممارستهم للصلاة وللحياة الروحية.
?
كيف صيغت هذه الكتب؟
المادة الأساسية التي صيغت منها هذه الكتب هي: نصوص الكتاب المقدس من
مزامير وتسابيح وتعبيرات كتابية، ونستطيع – على سبيل المثال – أن نتتبع
الشواهد المستخدمة في القداس عندما نتصفح الخولاجي الكبير، حيث توجد في
الحواشي شواهد الآيات المقتبسة من الكتاب المقدس.
ولقد
اهتم الآباء الرسل، وآباء الكنيسة من بعدهم.. أن يثبّتوا ويصيغوا الفكر
العقيدي، في صورة الصلوات التي يستخدمونها في الليتورجيات، فصارت بذلك
العقيدةُ صلاةً .. وليست مجرد فلسفات فكرية. لذلك فعندما نُصلي إنما
نعلن مفاهيمنا الإيمانية فيما نتكلم بها مع الله.
(ب)
لاهوت السيد المسيح في نصوص الليتورجيا (القداس)
تتحدث
الليتورجيا ببساطة وتلقائية عن لاهوت السيد المسيح، باعتبارها قضية
محسومة ومعروفة، ويؤمن بها المسيحيون، ولا تحتاج إلى برهان.
?
وتعبِّر
الليتورجيا عن هذا الإيمان من خلال الآتي:
(1)
السجود للسيد المسيح
إن
العبارة "نسجد لك أيها المسيح مع أبيك الصالح والروح القدس لأنك أتيت
وخلصتنا" .. عبارة متكررة كثيرًا في الليتورجيا، وكذلك: "نسجد لجسدك
المقدس ولدمك الكريم" .. وإذا كان السيد المسيح ليس إلهًا .. فهذا
معناه أننا نسجد ونعبد إنسانًا، وإذا كان المسيح إلهًا أقل من الآب ..
فإننا نسقط بذلك في تعدد الآلهة!!!
نحن
نؤمن بأن السيد المسيح هو الله الظاهر في الجسد، وهو أحد الثالوث
القدوس، وواحد مع الآب في الجوهر والأزلية والألوهية .. لذلك نسجد له
مع الآب والروح القدس في وحدانية الجوهر قائلين: "وأنت الذي نرسل إلى
فوق المجد والإكرام والسجود مع أبيك الصالح والروح القدس المُحيى
المساوي لكَ الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور ..".
(2) توسط
السيد المسيح في صلواتنا
إن
الصلوات الموجهة إلى الآب لابد وأن تنتهي بعبارة: "بالمسيح يسوع ربنا"،
أو بعبارة "بالنعمة والرأفات ومحبة البشر اللواتي لابنك الوحيد ربنا
وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح هذا الذي من قِبَلِه المجد والإكرام والعزة
والسجود تليق بك معه ومع الروح القدس المُحيى المساوي لكَ الآن وكل
أوان وإلى دهر الدهور آمين".
هذه
الخاتمة المعتادة للصلوات هي التطبيق العملي لقول السيد المسيح: "الحقَّ
الحقَّ أقول لكم: إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يُعطيكم" (يو16: 23)، "لأنه
يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح"
(1تي2: 5).
ووساطة السيد المسيح في صلواتنا هي برهان لاهوته.. لأنه مساو للآب من
جهة اللاهوت، ومساو لنا من جهة الناسوت، فهو بذلك الوسيط بين الآب
والإنسان، ذلك الوسيط الذي بحث عنه أيوب قائلاً: "ليس بيننا مُصالح يضع
يده على كِلينا" (أي9: 33).
فلو
لم يكن السيد المسيح مساو للآب.. لما كانت له الصلاحية أن يرفعنا إلى
الله أبيه .. "ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يو14: 6).
(3)
الرشومات الخمسة
في كل
صلواتنا الطقسية يتم الرشم باسم الثالوث (الآب والابن والروح القدس)
قائلين:
1- "مبارك
الله الآب ضابط الكل آمين".
2- "مبارك
ابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا آمين".
3- "مبارك
الروح القدس المُعزي آمين".
4و5-
"مجدًا وإكرامًا. إكرامًا ومجدًا للثالوث القدوس الآب والابن والروح
القدس".
هذه
الرشومات تدل على تساو الأقانيم في الجوهر، بدليل أننا نرشم باسم
الثلاثة معًا، كمثلما علَّم السيد المسيح من جهة المعمودية .. "عمدوهم
باسم الآب والابن والروح القدس" (مت28: 19) .. فلو كان الآب فقط هو
الله لكانت المعمودية باسم الآب فقط، وكذلك كل الرشومات.
(4)
عبارات تتكلَّم صراحة عن السيد المسيح أنه "الله"
w
في سر بخور عشية نقول: "أيها المسيح إلهنا العظيم المخوف الحقيقي الابن
الوحيد وكلمة الله الآب ... نسألك يا سيدنا اقبل إليك طلباتنا ...".
w
أثناء التبخير في الكنيسة يقول الأب الكاهن: "يسوع المسيح هو هو أمسًا
واليوم وإلى الأبد بأقنوم واحد نسجد له ونمجده ...".
w
بعد التبخير يعود الكاهن إلى الهيكل ويتكلَّم مع السيد المسيح قائلاً:
"يا الله الذي قَبِل إليه اعتراف اللص على الصليب المكرم، اقبل إليك
اعتراف شعبك واغفر لهم جميع خطاياهم من أجل اسمك القدوس الذي دُعي
علينا".
w
عبارة "أيها السيد الرب يسوع المسيح إلهنا".. تقال في بداية أوشية
الإنجيل وتتكرر في صلوات كثيرة.
w
"المجد للآب والابن والروح القدس الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين
آمين" .. مَرّد يتكرر دائمًا في القداس، وفي صلوات الأجبية، ونعلن به
المجد للابن مساويًا لمجد الآب والروح القدس.
w
في قانون الإيمان الذي نردده في كل صلواتنا الليتورجيا نعلن أننا "نؤمن
برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور،
نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، مساو الآب في الجوهر
الذي به كل شيء".
w
في صلاة الصلح الباسيلي .. نعلن أن تجسد المسيح هو "الظهور المُحيى
الذي لابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح" .. هذه الألقاب
تتكرر في كل صلواتنا تقريبًا.
w
نعلن في الليتورجيا أن المسيح إلهنا هو الديان العادل عندما نقول:
"ورسم يومًا للمجازاة هذا الذي يظهر فيه ليدين المسكونة بالعدل ويعطي
كل واحد كنحو أعماله"، ونصف مجيئه الثاني أنه "الظهور المخوف المملوء
مجدًا".
w
في القطعة "لكي وبهذا كما أيضًا في كل شيء يتمجد ويتبارك ويرتفع اسمك
العظيم القدوس في كل شيء كريم ومبارك" .. هذه القطعة تقال للآب في
القداس الباسيلي والكيرلسي، وبنفس العبارة تقال للابن في القداس
الغريغوري، برهانًا على مساواة الابن للآب .. وتُختم في القداس
الباسيلي والكيرلسي بعبارة "مع يسوع المسيح ابنك الحبيب والروح القدس"،
أما في الغريغوري فتُختم بعبارة "مع أبيك الصالح والروح القدس".
w
عندما نتكلَّم عن الجسد المقدس نقول: "جعله واحدًا مع لاهوته بغير
اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير"، "لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا
طرفة عين".
w
القداس الغريغوري يتكلَّم كله مع الله الابن .. وهو مليء بعبارات تدل
على لاهوت الابن، ولكن مجرد الصلاة إليه تُعني إيماننا بأنه الله
الحقيقي قابل الصلوات.
w
ومن أهم العبارات التي ترد في القداس الغريغوري: "أيها الكائن الذي كان
الدائم إلى الأبد، الأزلي والمساوي والجليس الخالق الشريك مع الآب"،
"أيها غير المحوى إذ أنت الإله لم تضمر اختطافًا أن تكون مساويًا لله
..." .. ثم يتكلَّم القداس عن أن السيد المسيح هو الخالق، وواضع الوصية
والمُخلِّص، وأنه مالئ الكل بلاهوته.
w
ونخاطبه قائلين: "أيها الواحد وحده الحقيقي الله محب البشر الذي لا
يُنطق به، غير المرئي غير المحوى غير المبتدئ الأبدي غير الزمني الذي
لا يحد، غير المفحوص، غير المستحيل، خالق الكل مُخلِّص الجميع ..."،
"أنت الكائن في كل زمان أتيت إلينا على الأرض، أتيت إلى بطن العذراء
...".
w
أما من جهة أنه الخالق فنقول: "خلقتني إنسانًا كمحب البشر ... كونتني
إذ لم أكن، أقمت السماء ليَّ سقفًا ... أنت الذي جبلتني ...".
w
ونخاطب الابن بصفته الله قائلين: "لأنك أنت هو الله الرحوم ... ردنا يا
الله إلى خلاصك ... يا مَنْ يصنع أكثر مما نسأل أو نفهم"، "يا الله
الذي أسلم ذاته عنا خلاصًا من أجل خطايانا..."، "أيها الإله الابن
الوحيد الذي في حضن أبيه .. يارب بارك".
واضح
أننا في هذه النصوص وغيرها .. نتكلَّم عن السيد المسيح .. إنه إلهنا
الصالح الذي نسجد له ونعبده، ونتوقع مجيئه الثاني، ونحب أن نخدمه.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق